سورة البقرة - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


الآية الرابعة:
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)}.
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ المشرق}: موضع الشروق، والمغرب: موضع الغروب. أي هما ملك للّه وما بينهما من الجهات والمخلوقات، فيشتمل الأرض كلها.
وقوله: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا} أي أيّ جهة تستقبلونها فهناك وجه اللّه أي المكان الذي يرتضي لكم استقباله. وذلك يكون عند التباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.
قال في الكشاف: والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أو في بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجدا، فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها، فإن التولية ممكنة في كل مكان لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد ولا في مكان دون مكان. انتهى.
قال الشوكاني في فتح القدير: وهذا التخصيص لا وجه له فإن اللفظ أوسع منه وإن كان المقصود به بيان السبب فلا بأس. انتهى.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا- واللّه أعلم- شأن القبلة. قال اللّه تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه اللّه إلى البيت ونسخها فقال: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر قال: كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت. ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}: وقال: في هذا أنزلت هذه الآية. وأخرج نحوه عنه ابن جرير والدارقطني والحاكم وصححه.
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر وغيره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه كان يصلي على راحلته قبل المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى. وروى نحوه من حديث أنس مرفوعا، أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي- وضعفه- وابن ماجة وابن جرير وغيرهم عن عامر بن ربيعة قال: كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة! فقلنا: يا رسول اللّه لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة؟ فأنزل اللّه: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية، فقال: مضت صلاتكم.
وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر مرفوعا نحوه إلا أنه ذكر أنهم خطوا خطوطا، وأخرج نحوه ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا، وأخرج نحوه أيضا سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء يرفعه وهو مرسل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قال: قبلة اللّه أينما توجهت شرقا أو غربا.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والترمذي- وصححه- وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مثله، وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر نحوه.


الآية الخامسة:
{وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}.
{لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} اختلف في المراد بالعهد فقيل: الإمامة وقيل: النبوة، وقيل: عهد اللّه: أمره.
وقيل: الأمان من عذاب الآخرة! ورجحه الزجاج، والأول أظهر كما يفيده السياق.
وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لابد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد، لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالما.
ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا إلى السياق، فيستدل به على اشتراط السلامة من وصف الظلم في كل ما تعلق بالأمور الدينية.
وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهدي بالإمامة ظالما، ففيه تعظيم من اللّه لإبراهيم الخليل: أنه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه. انتهى.
قال الشوكاني في فتح القدير: ولا يخفى عليك أنه لا جدوى لكلامه هذا فالأولى أن يقال: إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولّوا أمور الشرع ظالما.
وإنما قلنا إنه في معنى الأمر لأن إخباره تعالى لا يجوز أن يتخلف، وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرا من الظالمين. انتهى.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله تعالى: {قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} يقتدى بدينك وهديك وسنتك. {قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} إماما لغير ذريتي؟ {قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}. أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم.
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه قال: قال اللّه لإبراهيم: {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} فأبى أن يفعل ثم قال: {قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: هذا عند اللّه يوم القيامة لا ينال عهده ظالما. فأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر اللّه عهده وكرامته على أوليائه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يخبره أنه إن كان في ذريته ظالم فلا ينال عهده، ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قال: ليس لظالم عليك عهد في معصية اللّه.
وقد أخرج وكيع وابن مردويه من حديث علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في قوله: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}: قال: «لا طاعة إلا في المعروف».
وأخرج عبد بن حميد من حديث عمران بن حصين: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية اللّه».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية: ليس للظالم عهد، وإن عاهدته فانقضه.
قال ابن كثير: وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل بن حيان نحوه.


الآية السادسة:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}.
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على أنه فعل ماض، وقرأ الباقون على صيغة الأمر.
والمقام في اللغة: موضع القيام.
واختلف في تعيين المقام على أقوال أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس ويصلون عنده ركعتي الطواف.
وقيل المقام: الحج كله. وروي ذلك عن عطاء ومجاهد.
وقيل: عرفة والمزدلفة، وروي عن عطاء أيضا.
وقال الشعبي: الحرم كله مقام إبراهيم. وروي عن مجاهد.
وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس عن عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث ووافقني ربي في ثلاث. قلنا: يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟
فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى}. وقلت: يا رسول اللّه: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهنّ أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نساؤه في الغيرة فقلت لهن: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} فنزلت كذلك. وأخرجه مسلم وغيره مختصرا من حديث ابن عمر عنه.
وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم وصلى خلفه ركعتين ثم قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى}.
واختلفوا في قوله مصلى: فمن فسّر المقام بمشاهد الحج ومشاعره قال: مصلى مدعى من الصلاة التي هي الدعاء، ومن فسّر المقام بالحجر قال: معناه اتخذوا من مقام إبراهيم قبلة لصلاتكم، فأمروا بالصلاة عنده. وهذا هو الصحيح.
ثم العندية تصدق بجهاته الأربع والتخصيص بكون المصلي خلفه إنما استفيد من فعل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والصحابة من بعده رضي اللّه عنهم.
وفي مقام إبراهيم أحاديث كثيرة مستوفاة في الأمهات وغيرها.
والأحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه، كما في البخاري من حديث ابن عباس. وهو الذي كان ملصقا بجدار الكعبة وأول من نقله عمر بن الخطاب، كما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي بإسناد صحيح، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة.
وأخرج ابن أبي حاتم من حديث جابر في وصف حج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لما طاف النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال له عمر هذا مقام إبراهيم؟ قال نعم» وأخرج نحوه ابن مردويه.
{أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} المراد بالتطهير قيل: من الأوثان، وقيل: من الآفات والريب، وقيل: من الكفر وقول الزور والرجس، وقيل: من النجاسات وطواف الجنب والحائض وكل خبيث.
والظاهر أنه لا يختص بنوع من هذه الأنواع وأن كل ما يصدق عليه مسمى التطهير فهو يتناوله تناولا شموليا.
والإضافة في قوله: {بَيْتِيَ} للتشريف والتكريم. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص: بيتي بفتح الياء، وقرأ الآخرون بإسكانها.
والمراد بالبيت: الكعبة.
والطائف: الذي يطوف به ويدور حوله.
وقيل: الغريب الطارئ على مكة.
والعاكف: المقيم. وأصل العكوف في اللغة: اللزوم والإقبال على الشيء، وقيل: هو المجاور دون المقيم من أهلها.
والمراد بقوله: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}: المصلون، وخص هاتين الركعتين بالذكر لأنهما أشرف أركان الصلاة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إذا كان قائما فهو من الطائفتين، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين، وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد؟ فقال: هم العاكفون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8